روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | بغي تسقي.. كلبا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > بغي تسقي.. كلبا


  بغي تسقي.. كلبا
     عدد مرات المشاهدة: 2843        عدد مرات الإرسال: 0

نصّ الحديث.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر:  (أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار، يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، فغفُر لها) رواه مسلم.

وعنه رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:  (بينا رجل يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج، فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش.

فقال:  لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفّه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له) قالوا:  يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ ، قال:  (في كل كبدٍ رطبةٍ أجر) رواه البخاري.

معاني المفردات:

بينا رجل:  بينما رجل

يأكل الثرى من العطش:  كناية عن شدّة العطش

أمسكه بفيه:  أمسكه بفمه

ثم رقي:  رقي بمعنى صعد

في كل كبد رطبة أجر:  كناية عن الحيوانات، والمقصود أن في الإحسان إليها أجر

يطيف ببئر:  يدور حوله

أدلع لسانه:  أخرج لسانه

بموقها:  أي حذائها.

تفاصيل القصّة

مهما أوغلت النفوس البشريّة في بحار الذنوب وظلمات الغيّ، ومهما أسرف أصحابها على أنفسهم بالمعاصي والموبقات، فسيظلّ فيها بارقٌ من خير يلوح في جنباتها بين الحين والآخر، يسوقها سوقاً إلى أعمال برٍّ وألوان عطفٍ وإحسان.

ذلك هو العنوان الرئيسي والقضيّة الكبرى، والتي ذُكرت في القصّة الأولى من مشكاة النبوّة، ومعين الرسالة، في سياقٍ يبيّن سعة عفو الله ورحمته، حتى تتلاشى أمامها ذنوب المذنبين، وكبائر المسرفين.

إننا أمام بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل، لم تقع في صغيرة تمحوها الصلاة وأنواع الذكر، ولم تزلّ قدمها في كبيرة من الكبائر لتقوم بعدها من كبوتها، ولكنها امتهنت الفاحشة واستسهلت الرذيلة، حتى صار ذلك لها علماً بين الناس.

وبينما هي تسير لحاجتها في يوم شديد الحرّ، إذ لاحَ أمامها كلبٌ قد أخرج لسانه من شدّة الإعياء واللّعاب يتقاطر منه، يقف بالقرب من بئر عميقة، وينظر إلى قعره، فيتمنّى لو حظي بشربةٍ تطفئ عطشه، وتروي ظمأه.

حينها أدركتها الرحمة بهذا المخلوق البائس اليائس، وفكّرت في نفسها:  كيف يمكنها أن تقدّم لهذا الكلب قليلاً من الماء يدفع عنه ما نزل به من عطش؟ ، فلم تجد أمامها سوى خفّها تملأ به الماء، فنزلت البئر، وملئت الخف ماءً، ثم صعدت إلى أعلى البئر، وكان الكلب لا يزال ينتظر لاهثاً.

وبالنسبة للمرأة انتهى الموقف عند هذا الحدّ، ولعلّه لم يستوطن ذاكرتها طويلاً، لكنّ الله سبحانه وتعالى لن يضيّع أجر من أحسن عملاً، فكان صنيعها مع الكلب سبباً للتجاوز عن سيّئاتها ومغفرة ذنوبها، كرماً منه وفضلاً.

أما القصّة الثانية فالصورة واحدة في أحداثها وتفاصيلها، والفارق الذي نرصده هنا أن صاحب هذه القصّة رجلٌ وليس امرأة، وأنّ الكلب قد بلغ به العطش مبلغاً جعله يلحس الأرض يبحث عن قطرةٍ تائهة بين ذرّاتها، وأن الرجل كان يقاسم الكلب شعوره وحاجته، ما دفعه ليُمسك الخفّ بفمه ويملأه بالماء، ثم يقدّمه له.

ويُخبرنا الصادق المصدوق – صلى الله عليه وسلّم – كيف كان عمل هذا الرّجل موضع قبول وتقدير من الله سبحانه وتعالى:  (فشكر الله له، فغفر له ) وهذا هو التعقيب الذي يُظهر الإحسان الإلهيّ في أبهى صوره.

وقفات مع القصّة

حقٌّ علينا أن نحمد ربّاً لا تُحصى آلاؤه عدداً، ولا تنقطع فضائله مدداً، فقد وسعت رحمته كلّ شيء، ونراه يعفو ويصفح عن المذنبين – كما حصل للبغيّ - ، ويكافئ ويجازي المحسنين – كما حدث مع الرّجل – أضعاف ما فعلوه، وفوق ما استحقّوه، فيا له من إلهٍ عظيم رحيم، صدق حين قال سبحانه:  {ورحمتي وسعت كل شيء} (الأعراف:  156) ، وقال:  {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} (التوبة:  120) .

ولنتأمّل الجزاء العظيم الذي حظيت به المرأة، ونقارنه بعظيم جرمها من جهة، ويسير عملها الصالح من جهة أخرى، حينها سنُدرك أن بواعث الأعمال في القلوب ترفع قدرها وقيمتها عند الله، فإن تلك المرأة عندما أقدمت على سقي الكلب وصلت إلى مرتبةٍ عالية من الإخلاص والتجرّد.

ما كان سبباً في العفو عن ذنوبها السابقة، ويوضّح شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك فيقول:  " فهذا لما حصل فى قلبها – أي المرأة البغيّ - من حسن النية والرحمة ".

ولا شكّ أن الحديث بألفاظه ودلالاته دعوةٌ إلى الإحسان إلى الحيوان، والرّفق به، فقد جعلها النبي – صلى الله عليه وسلم - عبادةً مأثورة ، وصدقة مأجورة، في قوله:  (في كل كبد رطبة أجر) رواه البخاري.

المصدر: موقع إسلام ويب